لا شكّ في أنه من غير الممكن أن نتحدث عن أعماق حياة الإنسان من دون اعتبار الفتوحات المعرفية والملاحظات المدهشة التي أنجزتها كشوفات التحليل النفسي وعلم النفس التحليلي عند فرويد ويونغ وغيرهما من علماء النفس. وإذا كان هذا صحيحاً بشكل عام، فإنّه ولا ريب مثار اهتمام كبير حين يتعلق الأمر بالإبداعات الإنسانية من فنون وآداب وغير ذلك. ولكن الأكثر إثارة هو حين يلحظ المبدع عمل اللاوعي، الفردي والجمعي، بغض النظر عن التسمية التي قد يطلقها عليه: قوى الحياة، إرادة الكون، رسائل الوجود، إلى آخره. ولعلّه من الصواب القول إنّ هذا الوعي لما هو متعالٍ أو غير واعٍ أو فائق للعاديّ يترافق بإدراك للذات وتفرّدها وبتلمّس دورها التاريخي بوصفها شخصية غائيّة وعلاقتها بالزمان والمكان ليست عشوائية أو اعتباطية. هكذا إذن ينظر الإنسان إلى نفسه من منظور تاريخيّ، أي من زاوية حدس المعنى والغاية والرسالة.
بهذا المعنى تبرز إشارات اللاوعي، الفردي والجمعي/الكوني، في فصول عديدة من حياة الروائي والناقد والكاتب الكبير جبرا إبراهيم جبرا، ويبرز وعيه الشخصي لكثير من هذه الإشارات، والتي سنتناولها في ضوء بعض المفاهيم والتصوّرات والتجارب الشخصية التي كشفها عالم النفس التحليلي السويسري كارل غوستاف يونغ.